المجنون
صالح إبراهيم الطريقي
في الصباح، وجد أن علبة الدواء فارغة، وأن عليه الذهاب للصيدلية لجلب هذا الدواء الذي وصفه له الطبيب بعد أن اكتشفوا أنه مصاب بالسكر، وعليه تناول هذا الدواء إلى الأبد؛ ليعيد توازن السكر في دمه.
بعد أن طلب الدواء من الصيدلي، مد يده لمحفظته القديمة والفقيرة من المال دائما، أخرج قيمة الدواء ودفعه للصيدلي، أخبره الصيدلي أن المبلغ لا يكفي، وأن عليه إضافة ما يعادل 21 في المائة من الثمن السابق، حين سأل لماذا؟ لم يجد إجابة واضحة لدى الصيدلي، سوى أنه ما هو إلا موظف ينفذ ما كتب على علبة الدواء، وأضاف له: إن الزيادة ليس على دوائك فقط.
في المنزل، حاول البحث عن الأسباب التي جعلت دواءه يرتفع، قال لنفسه: دوائي يصنع في أوروبا، و«اليورو» لم يرتفع، ولا هو الريال حدث له خلل، فألغى فكرة أن يكون هذا هو السبب.
بحث في ذاكرته الأسبوعية عن أية مشكلة عمالية في أوروبا، أو إضراب قام به العمال لرفع رواتبهم، لم تسلط القنوات الإخبارية العربية الضوء على أية مشكلة من هذا النوع، فهو تابع كل «ساعة إخبارية تبث على القناة الأولى والعربية والجزيرة».
فألغى هذه الفكرة أيضا، قال لنفسه: إذن رفع الدواء كان قرارا فرديا من التاجر، هذا القرار مرتبط بمزاجه، دون مراعاة لي كمواطن، راتبه لا يساعده على إكمال الشهر.
صباح السبت، وبعد أن أستأذن من مديره، ذهب لحماية المستهلك، لم يجد أذنا صاغية، ولا هي وزارة التجارة اكترثت لشكواه. في وزارة الصحة، أكدوا له ألا دخل لهم في الأمر، استوقف شرطيا وروى له عن أولئك الذين يريدون سلبه راتبه دون حق، فأخبره الشرطي أن هذا خارج تخصصهم. في الطريق، استوقف «جمس الهيئة» علها تمنع هذا المنكر، أكد له رجل الهيئة أن هذا منكر، لكنه لا يدخل ضمن المنكرات التي يطاردونها.
عاد للبيت مهزوما وحزينا ومنهكا. في المساء قبل أن ينام، بحث عن أرقام القنوات الثلاث التي تسلط الأضواء على المشاكل الخارجية اتصل عليهم يشرح لهم قضيته، ليتم طرحها ووضعها في نشرة الأخبار، وكان كل مرة يقال له بعد فاصل من الضحك: أنت مجنون؟
بدا له أن جملتهم صحيحة إلى حد ما، وأنه مجنون إذ يشغل العالم بقضيته التافهة جدا، شعر بأنه أنهك تماما، أغمض عينيه وراح يحلم بحياة أفضل